31/10/2010 - 11:02

عن الخريجة وزفافها../ راجي بطحيش

-

عن الخريجة وزفافها../ راجي بطحيش
لا شك أن احتلال خبر زواج فتاة من إحدى البلدات العربية في حفل تخرجها (أو بالعكس ...لا يهم فالكارثة واحدة) –احتلاله- لرأسيات المواقع العربية الكبرى في بلادنا، ولمدة يوم كامل، يعكس مدى الانحطاط الذي وصلت إليه منظومة المضامين التي تتحكم بوجدان المتصفحين على الشبكة..

فالمصيبة والطامة الكبرى هي ليس أن تتزوج فتاة ما، لم تتجاوز السابعة عشرة، وحسب بل احتفاء المواقع بذلك وإعطاءها مصداقية واضحة للأمر كاستمرارية وتبرير صارخ للعنة التغطيات "المعمقة" لحفلات التخريج وصورها التي لا تنتهي...

فما معنى أن تكون أهم قضايانا وأخبارنا هي حفلات التخريج... ومن الذي اخترع هذه البدعة... وكيف يسمح مجتمع بأكمله أن يتم إغراقه بهذا الكم من التفاهات والنفايات الإعلامية البدائية التي لا ترقى أصلا إلى مستوى الإعلام في أكثر البلدان بؤسا.

(.بحق لا يصدق) وما لا يصدق أيضا (إضافة إلى الشغف الهستيري بمصيبتي "نور" و"سنوات الضياع"...حتى أن إحدى شركات السياحة بدأت تنظم رحلات حجيج إلى حيث تصنع هذه الجواهر الدرامية).. أن تتحول حفلات التخرج إلى الحدث المؤسس في صيرورة شعبنا..على أساس أن مدارسنا تخرج ألاف العباقرة كل سنة بحيث يتزاحم سوق العمل الإسرائيلي وعتاولة الإقتصاد في أبراج تل أبيب الشاهقة على اختطافهم... وعلى أساس ارتفاع مستوى الأحقية لـ"البجروت" والنجاح بالبسيخومتري/ وبالتالي القبول بالجامعات (والبقاء فيها من أصله)...

تخيلوا مثلا لو عبأت جريدة "هآرتس" أو "السفير" بصور الخريجين وأسمائهم كما تفعل صحفنا "القطرية" الكبرى استعاضة عن مواد الفن والثقافة والمقالات والأدب....

وأنا أنظر إلى تلك الصور والأسماء، التي لا تهم أحدا، أسأل نفسي عن جوهر الاحتفاء هذا، وما سيليه وبصورة تشاؤمية محببة... فهؤلاء الفتية والفتيات من سيحميهم في ظروف وحشية لا ترحم، تختزل التربية والتعليم والثقافة لصالحها وحسب تأويلها الجغرافي لها.. من سيحمي الفتيات من بؤس معمل النسيج الذي سيعملن به بعد أن توصد كافة الأبواب في أوجههن (إن وجدت أصلا) ومن سيحميهن من الإستغلال... ومن سيضمن لهن عدم الانزلاق في دوامة من المزيد والمزيد من البؤس والعجز... من يحمي هؤلاء الفتية من المصير... مصير يخلقه نتاج المزيج من التمييز العنصري... تخلف المجتمع المحيط وجموده... عدم توفر الوجهة المحركة أصلا نحو مراكز التأثير... تبدو هذه الصور وكأنها تؤسس لأجيال جديدة من العاجزين... نعم إنه الخوف الدائم من العجز....

فدخول الإنترنت وافتتاح متاجر شهيرة ومجمعات تجارية في مدننا وقرانا قد يدخلها (على أحسن تقدير) في دائرة الاستهلاك التي لا ترحم ولكنه بالتأكيد سيؤجل أكثر وأكثر من عملية تحديث مجتمعاتنا(لا ننسى الانسلاخ المميت والمستمر بين النخب البقية) من جهة مفاهيمها ووعيها، وهذا ما يفرز بالضبط ظواهر الاحتفاء بالهامشية المتمثلة.. بالعروس الخريجة... و"نور".. و"سنوات الضياع"... والمخفي بالتأكيد آت وأعظم..

التعليقات